Pages

Saturday, December 21, 2013

التحرش مستمر

لم تدرك وهى دون العاشرة ان الجار العجوز الذى يهابه الجميع، كان يضعف أمام جسدها النحيل، وأن طريقته الغريبة فى مداعبتها تسمى تحرش جنسي. تتذكر دوما كيف كان يستدرجها إلى شرفته التى كان يغويها علوها،ليعبث بها، شعورها بإن فعله قبيح ومنفر عبوسها فى وجه قائلة " أنت بتعمل كده مع ولاد ولادك؟ "، سيتوقف.

وفى الرابعة عشر من عمرها، - تسير فى مرح كعادتها- إلى أن تفاجئ بكف الشاب المار بجوارها تتحسسها على حين غرة. تتجمد فى مكانها لثوان لكنها تمضى كالدهر، تندفع فى حينها آلاف الأفكار إلى رأسها، ماذا يحدث؟ من هذا؟ ولماذا؟ هل رآنا أحد؟ تكمل طريقها وقد أدركت أنه تم التحرش بها جنسيا فى وضح النهار.

تتوالى الوقائع، فمن كف راكب دراجة نارية، ليد راكب فى ميكروباص ، لسائق سيارة يدعوها للركوب، لطفل يدفعه أصدقاؤه نحوها، لتعليقات الجالسين بالطرقات.

لن تنسى عندما قررت أن تذهب لعملها يوما مرتدية حذاء ذو كعب عالى، ذلك الشاب الثلاثينى الذى جلس بجوارها وظل ما يقرب من نص ساعة يحدق فى قدمها، لن تنسى أحساس اختراق نظراته لجسدها، ملف الأوراق الذى أمسكه بيده ليخفى مداعبة يده 
الآخرى لعضوه الذكرى.


ستكره طيلة حياتها ذلك الزحام  الغبى فى وسائل المواصلات، هؤلاء الرجال العجائز الذين لا يعيرون انتباه لوجودها بجانبهم وكأن من الطبيعى أن تتلاصق إجسادهم بها ، فتنكمش وتنزوى، عشم النساء فى الأتصاق بها، باعتبار أنهن من جنس واحد. ليصبح رمقها للمراين بجوارها، وسببابها للمترحشين لفظيا طقسا تمارسه عشرات المرات يوميا.

لم تدرك متى وكيف تحول سبها للمتحرشين من مجرد سب تبتسم منتصره بعده لكسرها تابوهات مجتمع يدفعها للصمت تحت شعار اسكتى وادارى احسنلك هو يعنى قال ايه؟! إلى غضب، إلى حقد، إلى رد فعل لا إرادى
تحولت عنده نظرتها لشعاع حارق ولماضة الطفولة إلى سلاح ردع، وحقيبتها الثقيلة مصدر تباهى، كسلاح مؤلم.

تتوجس خيفة من ذلك الشاب المار بجوارها حتى يمر بسلام، فيؤلمها سوء ظنها به. ما أن تستقل تاكسى حتى تتذكر ما قصته عليها صديقتها عندما تحرش بيها سائق تاكسى عجوز قرر فجأة أن يريها عضوه، تدور برأسها كل السيناريوهات السوداء، تصل بسلام، فتفكر كيف تحول الغضب إلى هوس، كم أصبحت سيئة الظن، سلبية الأفكار. ستنبها أحد رسومات الجرافيتى أنت تكون حذرة فى محاربة الوحوش لئلا تصبح منهم.

تلحظ أنها توقفت عن الغناء أثناء سيرها، توقفت إيضا عن التأمل فى معانى الأشعار والأغانى وعن الغرق فى أحلامها. أصبح كل
 تفكيرها عن التحرش، ومواجهته. تطرأ فى ذهنها أفكار خيالية  كأن تمتلك مسدسا يوما وتطلق النار على كل متحرش تقابله، أو أن تضع لافته أرجوك لا تتحرش بى اليوم فأنا مثقلة ولن أستطيع الدفاع عن نفسى. تحب شخصية قاهرة وتتمنى أن تكون يوما مثلها تدافع عن كل الفتيات حتى حاملات شعار "ادارى واتحشمى"

 قبل اندلاع ثورة 25 يناير بأيام  عددت أسباب مشاركتها بها وكانت أحدها التحرش. خرج الناس وافترشت النساء أرض الميدان دون خوف سقط مبارك، واندفعت الجموع للشارع تحتفل فكان التحرش جزء من طقوس الإحتفال. توالت الأيام ليصبح  التحرش المنظم وسيلة لكسرة شوكتها وتشويه ثورتها، فى قلب الميدان تُحكم حلقة المجرمين حولها تأخذها بعيد عن الجموع، هتافات عالية وصراخ وأيدى تمتد لتنهك الجسد اولا، وبعدها الروح، هنحرمك تنزلى هنا مش عاملة فيها ثورية.
الذين فى السلطة يدركون قوتها فيقرروا المشاركة فى اللعبة، إحنا ناقصين الستات كمان ارجعوا بيتكوا. ولتتعرى من تصمد. وهى ايه اللى وداها هناك.

ثلاثة أعوام مرت يتمادى فيها المتحرشون  يزدادون ويكبرون اما التحرش فيذكر على الهامش فى حلقة تليفزيونية أو مقال فى جريدة، أو صرخات على الأنترنت. ثلاث سنوات ولا يتوقف العالم لحظة عن الدوران ولا يتوقف الوطن ليلحظ ما آل إليه من جنون. تنتهك فى كل دقيقة ولا يأهب أحد سوى مجموعة هنا أو هناك من شباب قراروا أن لا يغمضوا عينهم عن آلام نساء شاركتهم أحلام الوطن والثورة.

ثلاث سنوات تتوالى الأحداث ويتغير من فى السلطة ولا يهتم أحد، لتقرأ ذات صباح بالجريدة أن اللواء عادل لبيب وزير التنمية المحلية، أرقه ما آلت إليه شوارع البلاد، وقد أنتهى من مشروع قانون يجرم رسم الجرافيتى. ويقترح القانون عقوبة المخالف 
  بالسجن 4 سنوات، فالجرافيتى يؤلم من فى السلطة...اما التحرش فلا.